صناعة و تصميم القتل




صناعة الحروب المصممة

مقدمة:

 يقول "طوماس هوبز الفيلسوف الالماني"الانسان ذئب لأخيه الانسان" ان المقولة ليست مجرد تأصيل لحقيقة العلاقات الانسانية، انه يصل الى درجة الايحاء بأن الاصل الوجودي في حضارة الانسان انما هو مبني على قواعد الصراع الدائم، و المتأصل في الطبيعة البشرية، و ان الاختلاف الظاهري انما هو لإختلاف الاسباب، و المسببات ما يعطي نتائج مختلفة الشكل، و المظهر لكنها ذات جوهر واحد في النهاية، و هو نمط غرائزي بوهيمي يكاد يلامس الحيوانية، غير ان الانسان اضاف عليه الكثير من الاساليب، و الحيل، و الخداع، و النفاق، و المكر، و الخديعة، و المؤامرة، و الغدر ،و السرية، و التمويه،و المأسسة... و دائما في سياق تحليل مقولة هوبز، فإن الابعاد تلامس ايضا الواقع، و قد رأينا الحرب الباردة، و الخشنة، و الناعمة، و الإغتيالات،و الحروب الاقتصادية، و كلها تجتمع في قاسم مشترك وحيد، و هو الرغبة في تدمير الاخر... لتتحول الى ادوات حتمية تدخل في اطار الدفاع عن المصالح، و الوجود، طبعا لان المفهوم في سيرورته التاريخية انتقل من معنى الدفاع عن الوجود، الى الدفاع، و التنازع على المصالح، و المقدرات.  

1 - نظرة تاريخية لصناعة القتل:

- الحرب في الوعي البشري:

يعمل الجسم البشري من الناحية البيولوجية على حماية نفسه بشكل طبيعي عبر نظام مناعاتي، دوره حماية الجسم البشري، على اساس انه وحدة بيولوجية مركبة، و معقدة، من اجل التصدي لأي جسم دخيل، يحمل هدف الإضرار بجسم الانسان كاملا، قياسا على المنطق البيولوجي، الحتمي، فإن العقل، و الوعي الجمعي للمجتمعات البشرية، وصل في مراحل تطور وعيه، و تجربته في تدبير قضايا الشأن العام، و المصير الى ضرورة انشاء منظومة دفاع ضد الاخطار الطبيعية، او خطر جماعات بشرية اخرى، خصوصا عندما تكرس خطأ ان العلاقات الانسانية الخاصة، و بين المجتمعات، و الجماعات، تبنى على اساس الصراع، و الانتخاب، او الانتداب الطبيعي، او ما يسمى علميا صراع البقاء، الذي يعطي أفضلية البقاء، و الهيمنة للأقوى، مادام المحدد، و المعيار الذي يرسم طبيعة العلاقات البشرية هو الصراع، و غريزة القتل مع اقصاء الاخر، و هذه الفكرة في اساسها لم ترتقي الى معنى الوعي، و دون تطور، و رقي، او تهذيب، الذي حملته كل المجتمعات شعار و قاعدة وجودية، لكن للاسف لم تكن واقع معاش الا بالطريقة البدائية.قياس ايضا على منطق فكرة الصراع المؤسس للوجود، فإن من مهام الكيانات السياسية في العالم، هو حفظ امن، و استقرار و سلامة المجتمع البشري الذي تؤطره، و هذا يشمل كل الشعوب و الأمم. 

- دور الجيوش:

 تحولت الجيوش الى مرتزقة، يقدمون خدمة القتال تحت الطلب، بدون قضايا، و اوطان، فقط للتقتيل المدفوع الاجر، حتى ان هناك جيوش لا تنتمي الى مؤسسات نظامية، مثل شركات الامن التي تخوض حروب تحت الطلب، مدفوعة الاجر، منظمة على شاكلة جيوش، و مسلحة اكثر من الدول، و الجيوش النظامية نفسها، لكن بإمكان ربما حتى الخواص الاستعانة بخدمات ما يسمى بالشركات الامنية، او الجيوش الخاصة تحت الطلب، و بالتالي اليوم بإمكان الخواص استئجار هذه الجيوش. و تسخيرها بغرض قهر دول، و امم، و شعوب، طبعا فهذه الخدمات اصبحت تحت تصرف من يطلب، و يدفع.

- الحروب في التاريخ:

هكذا نجد انه على مدى 3500 سنة الأخيرة، تم خوض 12000 ما بين حروب كبرى، و اشتباكات مسلحة، و هذا يشمل فقط الحروب، و المواجهات التي تم توثيقها و تدوين معطيات لها في سجلات نظامية رسمية، و لا يشمل هذا الإحصاء الحروب، المعارك التي حدثت في صمت، و بعيدا عن الاضواء, و في خفاء لم توثق ابدا، و بناء على الارقام السابقة، هذا يحيل على القول ان معدل الحروب طيلة الفترة التي شملها الاحصاء، فإن اشعال الحروب كان بمعدل خمسة حروب في السنة، و من غير المعقول القول ان اي منها لم يخلف ضحايا، و قتلى، و خراب.

- الحروب في العصر الحديث:

*المأسسة:

في عصرنا الحالي تمت مَأْسَسَةُ غرائز القتل، و التملك، و الاستحواذ، و البقاء، و الهيمنة، و الاسترقاق، بل و تمويه الامر بقناع عنوانه الدفاع، و الامن، و حماية المجتمع البشري في نوع من المبالغة، انها عملية منهجة الصراع، و القتل في مؤسسات نظامية، و خاصة، هدفها الاساسي تحصيل الارباح، و لو عبر إزهاق الارواح.

* صناعة و قالب:

 يجمع الجميع ان المجمعات الصناعية للصناعات العسكرية الامريكية، هي مشعل الحروب، و الفتن الاول في العالم من أجل السيطرة على أسواق السلاح في العالم، خصوصا أن الأمن، و الدفاع مسألة حيوية، و وجودية لكل الدول، و الأمم، و الشعوب في عالم، حيث المؤسسات العسكرية، و قوتها،فاصبحت تبني توازنات العلاقات السياسية، و الدبلوماسية، و الاقتصادية، على القوة، و السلاح من اجل بسط الهيمنة، و ضبط وتيرة العلاقات الدولية، انطلاقا من توازنات القوى، و حجمها.

* الاهداف الحقيقية:

 هذه السيطرة، و الهيمنة يتبعها، و يقف وراءها دائما رؤوس الأموال، و الممولين، و المستثمرين في الحروب، و تجار الحروب، و المآسي من اجل التربح، و مراكمة الثروات، و النفوذ، لأن الحروب بدورها تجارة مريحة، و بشكل رهيب.أمريكا دفعت إلى إشعال أغلب الحروب في القرنين الماضيين، لكنها لم تحارب مباشرة، إلا نادرا في حروب مثل كوريا الشمالية، أو فيتنام،  وحتى العراق، و أفغانستان، و إنهزمت في هذه الحروب جميعا.

_ أوجه التربح المباشرة:

تتربح امريكا عادة من بيع الأسلحة لطرف من أطراف الحرب، مثل ما يقع في الحروب بالوكالة بالشرق الاوسط، التي غالبا ما تقف وراءها أمريكا  منذ زمن الحروب الباردة، و قد تبيع السلاح لطرفي الحرب مادام الغرض تجاري ربحي فقط، و قد يرقى الى سياسي يستهدف القضاء على الطرفين، من خلال الاقتتال، لقتل بعضهما، في بعض الأحيان، تدفع أمريكا بالسلاح مجانا لصالح طرف من اطراف الحرب ترى أنه أقرب إلى الانتصار العسكري، على أساس أن الجزء الأكبر من غنيمة الحرب يذهب لمصلحة أمريكا، كذلك على مستوى النفود الأمريكي بعد الحرب، و الذي تمارسه على الأطراف التي قامت بدعمها أثناء الحرب، ليكون هذا النفوذ و الهيمنة من جملة الارباح، و المكاسب المحققة، بحيث أن هذه المرحلة بعد الحرب،  تؤكل فيها  الفريسة ببطء، و سرية، و هدوء، و بدون معارضات، أو ضوضاء، و أضواء، أو إعلام.

 بالتالي يمكن القول، ان القتل الاجرامي من اجل التكسب، هو احد القطاعات المكونة للإقتصاد الامريكي، و تدخلات امريكا السرية، و العلنية في هذا الباب،  تكشفه، و تؤكده، و هذه التدخلات تشمل اليوم القارات الخمس.

_ طرق الاشتغال و الازدهار: 

من أجل إزدهار تجارة السلاح، تعمل المجمعات الصناعية على إحداث مراكز بحثية متصلة بمختلف مراك  صناعة القرار، مثل المخابرات، الاجهزة الامنية، الحكومات، و كبار رجال الاعمال، و المال، و الاقتصاد، كذلك في مجالات، و تخصصات علمية، و معرفية ذات صلة علم النفس، و الأنثروبولوجية، و اللسانيات، و الثقافات الإنسانية، و دراسة السلوكات البشرية المتباينة للعب على التناقضات، و الاختلاف لزرع الفتنة، و انتاج الفوضى، حسب الانماط الثقافية، و الايديولوجيات، طبعا الى جانب دراسة المصالح المتضاربة، و السياسات المتناقضة... لإشعال الحروب، و بث الخلافات، و تغذية الصراعات، من اجل زعزعة الأمن، و الاستقرار، مما يزيد معه الحاجة للأسلحة، و يزيد الطلب عليها.

يصبح شراء سلعة السلاح إلزامية، تمليها الضرورة الوجودية، لبقاء الشعوب، و الدفاع عن وجودها، و حريتها، و ممتلكاتها. و لعل تغيير الخرائط، و الاوضاع السياسية، و الاقتصادية، و الديموغرافية، بدافع المصالح المترامية الاطراف، يصبح تحصيل حاصل بالاصل، و بداوافع الطموح لتحقيق مكاسب اقتصادية، و جيوسياسية....

_ البدايات:

* "جيبي مورغن":

في يناير من سنة 1945 و عهد نهاية الحرب العالمية الثانية وقع "جيبي مورغن" مع الحكومة البريطانية عقد، يعطي الملياردير الأمريكي، تحمل مسؤولية الأعباء المالية ببريطانيا في مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وبعد خمسة أشهر فقط اضطرت فرنسا بدورها إلى التوقيع على  نفس  الاتفاق.

كانت هذه الاتفاقات كارثة تاريخية، حيث مكنت اشخاص ذوي نفوذ، و اصحاب رؤوس اموال كبيرة، في لحظات ضعف تاريخية للدول حيث سلمت نفسها لرجال الاعمال، و المال الخواص، ما شكل معالم فلسفة الغرب الاقتصادية اللبرالية، و اثر في تشكل القيم الفردية، و احترام حقوق الملكية الفكرية للمنهج الاقتصادي لهذا الغرب، ما جعل هذه الدول تسلم نفسها لأفراد، و شخصيات من خارج دائرة تدبير الشأن العام، و من خارج دائرة اي مسؤولية تجاه الاخرين ، لكي لا تسلم نفسها لأعدائها، كان الهم الاكبر، و الطموح المسيطر على هؤلاء الافراد هو تنمية تجارتهم، و ترواثهم الخاصة، في استغلال بشع للحظة ضعف مرت بها الدول الاوروبية نتيجة الحرب، هذا المعطى أفرز حالة شادة عن المتعارف عليه، حيث الحكومةت، و القطاع العام، دائما هو الرائد لانه كان يستند على مقدرات الحكومات، و اليوم هذه الحكومات، شبه مفلسة نتيجة الحرب، حيث هيمن رجال الاعمال على الدولة، و قراراتها، و عملية رسم سياساتها بناء على إحتياجاتهم التي كبرت حتى تجاوزت المصالح العمومية، ليتم دهس المصلحة العامة و التضحية بها، من اجل التعاقد مع رجال الاعمال كممولين، و مستثمرين، في الدولة و الشأن العام، لكن ليس عطاء انتماء، و تضحية، كما كانوا يتوقعون عائد على إستثماراتهم الكبرى في مصير الامم، و الشعوب، هكذا كان مصير البنك الفدرالي الأميريكي نفسه عندما تحول الى منشأة خاصة، و هنا الخطورة، فحينما تحولت الحقوق، و الخدمات العمومية الى استثمارات خاصة، ينتظر منها الريع المقنع، لانها لعبة قذرة في النهاية، مبنية على تغليب المصالح الخاصة على العامة، و إنتهاز، و استغلال لحظات ضعف الدول و الشعوب لإدخالها في دوامة المصالح، و الاهواء، و النزعات الفردية الشخصية الأنانية، التي تسقط كل القيم، و تستبيح كل الخطوط الحمراء من اجل تحقيق مكاسب، و ارباح خاصة، و لو على حساب الحياة نفسها، و ليس الانسان فحسب.

* التأثير:

 غطى "مورغن" الاحتياجات الخاصة بالغذاء، و الذخيرة، و الأسلحة والأدوية، و بعض الأموال، هذا الغطاء، و التموين، والتمويل أنعش الاقتصادالامريكي الذي زادت صادراته من كل المنتوجات خصوصا الأسلحة، لتتراكم الديون لمصلحة أمريكا على اوروبا، و ليتبع الحرب مشاريع الإعمار و منها مشروع "مارشال" لإعادة إعمار أوروبا، ولكن في نفس الوقت إغراقها بالديون لتحل أمريكا أزمتها الاقتصادية عن طريق هدم قارة، مع مستعمراتها حسب تعبير تلك المرحلة التاريخية، وقتل 50 مليون إنسان من أجل صفقات تغطية احتياجات الحرب العالمية الثانية عن طريق بيعها لأوروبا، و عن طريق القروض، و من تم عن طريق إعادة الأعمار، و كل الاحداث التاريخية المعروفة التي شكلت سياق حتم، و تحكم في مسارات الحرب، و حدد نتائجها على الارض.

_ صراع الصفقات

منذ سنة 1918 أصبحت أمريكا أكبر مصدر للسلاح في العالم بنسبة أكثر من ثلث الاستهلاك العالمي فضلا عن الطلب الداخلي، و هذا الامر يكسب امريكا نفوذ عالمي، و يعطيها صفة المتحكم في سوق السلاح عبر المعمورة، و مثال صارخ على وجود هذه الصفة، هو صفقة الغواصات النووية الفرنسية الحديثةما بين سنوات 2022-2024، التي تم التوقيع عليها بطابع قانوني، فجاءت امريكا بثقلها من اجل ان تلغي الصفقة الفرنسية الاستراليه، و تستحوذ على الصفقة لمصلحة مجمعات الصناعة العسكرية الامريكية، و التي بلغت قيمتها خمسين مليار دولار امريكي قيمة الصفقة.

_ الحرب بالوكالة:

2017 /2020 حسب دي "انترسيبت" نفذت أمريكا اكثر من 23 حرب بالوكالة منها 14 في  الشرق الأوسط و آسيا, و بالعودة الى استقراء المسار التاريخي، يمكن القول ان امريكا تشكلت عقيدتها السياسية، و التسليحية، و الحربية على توازنات الاقتصادية ،و الاجتماعية، و كما هو معروف ان المجتمع الامريكي هو مكون من مهاجرين من مختلف بقاع العالم، بالتالي تشكلت هذه العقيدة من تجاذبات و صراعات دينية اصبحت داخلية في قلب امريكا، و هذه التجاذبات لها ارتباطات من صراعات اخرى لها اصول جغرافية، و تاريخية، و عرقية، و دينية... جعلت من فسيفساء السياسة الامريكية بؤرة تعكس صراعات اخرى منشأها التاريخي ليس له علاقة بأمريكا، و لا التاريخ السياسي، و الوقائع الامريكية التي تخللته، و شكلت هوية اكريكا الحديثة، و بالتالي يمكن القول ان حروب امريكا هي حروب طوائف من داخل هذا البلد في قالب امريكي،  و ليس لذانها الاصلية، و بالتالي مرة اخرى في خلاصة نهائية يجب الاقرار ان حروب امريكا في الاصل هي حروب وكالة، و قد تكرست اكثر بعد الهزائم الكثيرة نتيجة التدخلات المباشرة لامريكا، لذلك اصبح خيار خوض الحروب بالوكالة بصمة امريكية في العالم خصوصا زمن الحرب الباردة مقابل الاتحاد السوفياتي.

_ فرص تخلفها الحروب:

عملت مجموعة من الاطراف على استغلال ازمة الحرب الأوكرانية الروسية، و كما رأى رجال الاعمال الروس فرصة في طرد الشركات الغربية من اجل الاستحواذ على حصص هذه الشركات في السوق الروسية، كذلك رأت الشركات الغربية فرصة في طرد الشركات الروسية و تماما لنفس الغرض، اي الاستحواذ على الحصص السوقية، و تعويض الشركات الروسية العاملة في اسواق الغرب، لدرجة اصبح الشق الاقتصادي من الحرب يعتمد على منطق ان درجة الإضرار الاقتصادي تعادل حجم الاستفادة من ازمة الحرب، و الفرص التي تتيحها، حتى ان الأزمة الأوكرانية رفعت من حدة هذه الأزمة الاقتصادية التى بدورها تحولت الى عالمية شملت حتى البلدان التي لم تخوض الحرب، بما دفع إلى ارتفاعات صاروخية، و غير مبررة بمنطق الازمات الاقتصادية في اسعار المواد الاستهلاكية الاساسية في العالم، و لا يمكن القول سوى انها ازمات مفتعلة في سياق الحرب الاقتصادية، و التجارية، و المالية بين روسيا من جهة، و الغرب، بما رفع اسعار المواد الطاقية مثل النفط والغاز، و كذلك اسعار المواد الاساسية، و الغدائية، ما دفع أمريكا إلى فرض عقوبات على روسيا من أجل استثمار واسترجاع السوق الاوروبية للغاز الامريكي مثلا، و بسعر أعلى ليتضح اكثر أن حروب الدول الكبرى بالوكالة هي مجرد استثمار في الدماء و تجارة الاسلحة، من اجل تحصيل مكاسب مادية.

إن المؤشرات في هذا الباب اصبحت تشكل بديهيات واضحة، ساهمت في إرتفعاع قيمة اسعار اسهم شركات صناعة الأسلحة الأمريكيةتنسب  افضاله الكبيرة في تداولات الاسهم نتيجة الأزمة في أوكرانيا، على رأسها "لوكهيد مارتن" و "وارثيوم"

 2- الحرب مرحلة ازدهار:

 في سنوات 2017/2021 ارتفعت مبيعات الأسلحة بنسبة تفوق %14 من طرف شركات صناعة الاسلحة الامريكية، وزادت حصة أمريكا من سوق الأسلحة العالمي من %32 إلى %39 من نفس الفترة، بما يدل ان عدد النزاعات و الحروب زاد مع ازدياد ارقام مبيعات الاسلحة الامريكية، ما دامت هذه الاسلحة موجهة للحروب، و القتال، في مختلف ارجاء العالم، فإن الاستثمار الاهم في الدوائر النظامية الامريكية هو الحرب، لانه يحول اي ارض وقعت فيها الحرب الى عذراء بالنسبة للسياسات الإستغلالية،  الإنتهازية للمنظومة السياسية، و الاقتصادية الامريكية.

_ رقم المعاملات:

 أكدت جريدة "الفورن بوليسي" أنه في سنة 2022 حققت أمريكا ما قيمته 22 مليار دولار عائدات معلنة من تجارة الاسلحة، بالمقارنة مع السنة التي سبقت اي سنة 2021 حيث لم تتجاوز 5,5 مليار دولار، هذا يؤكد ان العالم دخل فعلا في دوامة حروب، استنزفت الميزانيات العامة و المقدرات من ايدي الشعوب، و الامم المتصارعة.

انها حلقة مفرغة من الاستنزاف الممنهج بغرض تغيير الخرائط، و السيطرة و الهيمنة على الموارد الطبيعية، و المالية، و البشرية، و الجغرافيا، انها محاولة الاستحواذ على العالم من خلال تجارة الاسلحة، و افتعال الحروب، و من تم تغذيتها بمعدات الاقتتال.

_ مراكز بحث خاصة لاشعال الحروب: 

تتوفر الولايات المتحدة الأمريكية على مراكز بحث، تسميها أدبيات السياسة الخارجية الأمريكية، "مراكز إدارة المخاطر و الحروب" و هنا قد يلتبس المعنى المستشف من التسمية، لأن إدارة الحروب، و المخاطر تعني واقعا في الآثر الفعلي للسياسة الخارجية الأمريكية، فقط معنى واحد و هو  استغلال الحروب بمنطق انتهازي من أجل تحقيق مكاسب اقتصادية، و سياسية من خلال دعم أطراف معينة، ضد أطراف أخرى مناهضة لامريكا، أو سياستها، بإستغلال اي خطاب سياسي، او ايديولوجي، او عقدي، او إثني، يحمل نزعة تحرر من الهيمنة الاقتصادية، و السياسية، و العسكرية للحصول على نفوذ عبر صناعة أعداء مفترضين في مختلف مناطق المعمورة.

- آليات اشتغال المركز البحثية:

هذه المراكز البحثية تعتمد على دراسات تشمل كامل تفاصيل الوجود السياسي، و الاجتماعي، و الاقتصادي، و الثقافي، و الاخلاقي... بالنسبة لخصوم السياسة الأمريكي، عن طرق تحليل، و تفكيك المنظومة، و العلاقات، و التاريخ، و التحالفات، و نقاط القوة، و نقاط الضعف، ليس فقط بمنطق الحاضر، لكن أيضا بطريقة تاريخية للبحث عن عداوات، و صراعات، أو اختلافات... يتم تأجيجها و تغذيتها على انها صراعات صراع، انه هو مشروع حرب تعمل أمريكا، و مراكزها على تغيير التوازن و المعطيات السياسية، و الاقتصادية، و الديموغرافية في المناطق التي ترى انها تحتوي علىمصالح امريكية من خلاله في العالم،  كما تعمل هذه المراكز البحثية لهندسة الخراب في العالم عبر دوافع اقتصادية، و مطامع مادية تستبيح من أجل تحقيقها دماء شعوب كاملة، و تسقط أنظمة عبر إشعال الحروب و الفتن من أجل زيادة مبيعات الاسلحة، و مد نفوذ سياسي بغرض الهيمنة و السيطرة الاقتصادية.

_ الحصة الامريكية:

 تقرير معهد "ستوكهولم للسلام" يؤكد أن أمريكا في سنة 2022 سيطرت على 40% من السوق العالمية للاسلحة، و هذه النسبة في ازدياد مضطرد بسبب اعتماد امريكا على منطق القوة لحل المشاكل السياسية، و الاقتصادية، و الجغرافية عن طريق انتهاج نفس منطق امريكا، المعتمد على الإغتيالات، و الحروب سواء المباشرة، او بالوكالة، و عليه فإن نسبة 40 % من الحصة السوقية لتجارة السلاح في العالم، تعدل ايضا نسبة 40 % من الحروب، او اكثر في العالم، و هي قد تعدل كذلك نسبة المسؤولية عن الدماء، و القتل، و الهرج، و الفتنة، و الحروب في عالم اصبح بفعل العولمة التي تحول العالم مها الى غرفة صغيرة الكل مكشوف امام الكل.

_ ضغط اكبر مصنع للاسلحة في العالم:

و تتوفر أمريكا على 41 شركة إنتاج للأسلحة مصنفة ضمن أكبر 100 شركة في العالم، و بالتالي فهي تشكل لوبي حقيقي يؤثر على رسم السياسات الداخلية، و الخارجية لامريكا، و تحديد عداواتها، و حروبها، و التأثير على مسارات علاقات أمريكا مع بقية دول المنظومة الدولية، و على قراراتها كدولة، و بلد، وحتى على مستوى قرارت امريكا الداخلية، و سياساتها الدفاعية، و السياسية، و كذلك العقيدة العسكرية. 

_ صفقات بالمليارات:

*نموذج:

 حسب موقع "ريسبونسيول ستيت" في سنة 2022 حصلت أكبر شركات إنتاج الأسلحة في أمريكا على ما يقارب، 196 مليار دولار، و هي نسبة 71 % من إيرادات المبيعات، وعبر العقود الحكومية فقط.

* علما ان "لوكهيد مارتن" وحدها تتعرف فس ميزانية 70 مليار درهم في السنة و تشغل أكثر من 114 الف موظف، و هذا يعكس حجم الدور في محاور بناء و اتخاذ القرار الامريكي، و بما يحدد سياسات الدول التي تدور في فلك السياسة الامريكية، و تعيش حالة تبعية لامريكا في مجال الدفاع و الامن، و بناء عليه تبعية سياسية و اقتصادية.

*الفاعل الخفي:

 بلغ عدد جماعات الضغط 663، يعمل 73 % منهم في شركات الدفاع الفدرالية الحكومية، مما يفسر درجة التأثير المباشر على عمل و اتجاه سير الحكومة الفدرالية الامريكية، ان الحاجة التي أفرزها انتاج الاسلحة في امريكا، جعلت من خيار تصريف فائض الانتاج الضخم مسألة وجودية لبقاء مجمعات الصناعات الدفاعية الامريكية، و ليس خطأ ان هيكلة و تنظيم مجمعات الصناعة العسكرية الامريكية جاء على شكل مقاولات و شركات، يعتبر قانونيا الهدف من احداثها هو تحقيق الارباح، عن طريق المبيعات، و لتجعل بالنتيجة هذه الشركات، الحكومة الفدرالية الامريكية الى مجرد واجهة تجارية، مع استغلال شبكة العلاقات الدولية و الدبلوماسية الامريكية ادوات للضغط عبر استغلال قوة النفوذ السياسي الامريكي في أروقة المؤسسات الدولية و التوجيه نحو اشعال مزيد من الحروب و الفتن، لتحقيق مزيد من المبيعات و بالتالي الارباح.

_ كيف تصنع المجمعات الأعداء:

تعتمد المجمعات البحثية الامريكية بداية على تناقضات الاطراف الايديولوجية و من تدخل الخندق السياسي و الاقتصادي و الامني الدفاعي الامريكي، تنطلق ايضا من مدى قدرتها على تحديد و تشخيص الاحتياجات الدفاعية و الامنية و قدرة البلد نفسه على خوض حروب بالوكالة في مناطق جغرافية محددة سلفا لدى دوائر المخابرات الامريكية، و عليه تتشكل خارطة تحالفات واشنطن التي تستعمل الحلفاء بمنطق اوراق للعب مؤقتة، و بالتالي منطق لا حلفاء دائمين و لا اعداء دائمين، في استعداد دائم لتغيير البندقية من كتف الى اخرى، و بحسب مدة الانتفاع من وجود هذه البلدان الاوراق قوية بدعم وجود كيانات حليفة و توريد الاسلحة لها هذه المعطيات بدورها تعتمد على حجم النجاح الاستخباري الذي تحققه فروع المخابرات الامريكية الموزعة على تقسيم دقيق و مدروس بناء على معطيات القوة و الضعف و الربح و الخسارة، 

_ من التدخل الى التطفل:

 سياسة التدخل لإدارة الحروب وليس إيقافها, او التدخل من اجل حسمها، او التدخل من اجل إشعالها، او التدخل عن طريق تغذية الحروب بالأسلحة، مثل الحرب الباكستانية الهندية منذ السبعينات من القرن الماضي، و الى حدود اليوم، فالمعركة الاخيرة بين الهند و باكستان، كشفت ان طائرات الاف 35 الامريكية كانت بحوزة الهند مع طيارين امريكيين، لكن قوة التكنولوجيا، و قوة التحالفات الباكستانية دفعت امريكا الى سحب هذه الطائرات من المعركة، خشية إسقاطها، كما وقع للطائرات الفرنسية الرافال، او الروسية المتمثلة في الميغ 29 المتطورة، و السوخوي 30، و هذا يفسر الدور الخفي و المتخفي لامريكا في كل الحروب بحثا عن الغنائم المتجسدة في النفوذ و المكاسب التجارية و الجيوسياسية و الاقتصادية. و الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات، حيث وقعت فضيحة مدك ة لسمعة امريكا عندما تم فضح كونها تبيع السلاح لطرفي الحرب، عندما تم الكشف عن دور الارجنتين كوسيط بين امريكا و ايران لإتمام صفقات اسلحة، طبيعتها عكس المعلن في المعلن من السياسة الخارجية الامريكية، و التحالفات المبنية عليها، و كذلك الامر في حرب يوغسلافيا أو حتى حرب أوكرانيا القائمة فصولها الى الان، و كل ذلك من أجل الاستمرار في بيع الأسلحة.

_ نبذة من عن حروب القرن الماضي:

منذ1945 إلى 2001 حصل 248 اشتباكات مسلح في 153 موقع في العالم، منها 201 كانت أمريكا خلفها، أي بنسبة 81% من مجموع الاشتباكات، و تحصل المراكز البحثية لإدارة الحروب و المخاطر على دعم هائل من المخابرات المركزية الفدرالية، بما يحيل على القول ان بيع الاسلحة بالنسبة لامريكا هو في حد ذاته معركة مستقلة و منفصلة، تتأسس عليها المعارك الفعلية في الواقع. كما انها تتوفر على أجهزة مخابرات خاصة تعمل بشكل مباشر لمصلحة هذه المراكز التي تعمل على افتعال الحروب، و الصراعات و تغذيتها على نحو يؤججها أكثر، بغرض تحويل الحروب، و التهديدات إلى أسواق تجارية، و فرص يتم إقتناصها، لبيع الأسلحة اكثر، و المعلومات الإستخبارية ايضا.

* أكبر الصفقات في العالم:

إن وقوف الرئيس الأمريكي أمام عدسات الكاميرات ليشاهده العالم، و هو يهدد دول الخليج بأن الحماية الأمريكية هي من تقيهم السقوط، و إلا فإن هذه الدول هشة إلى درجة أنها قد تسقط في غضون أسبوع بدون الدعم الأمريكي، لذلك عليها الدفع، هذا الخطاب من الرئيس الأمريكي المبني من طرف مراكز البحث لإدارة الحروب، و المخاطر، و مضمونه المبني بطريقة احترافية، في سياق الحروب النفسية، و الثقافية، و في إطار المنافسة القائمة بين أمريكا، و قوى أخرى على النفوذ في الشرق الأوسط، و سوق الأسلحة الأكثر مردودية في العالم، بسبب المخاطر، و بسبب الصراع، و الظروف الأمنية المضطربة في هذه المنطقة.

* زيادة 460 مليار دولار:

في سنة 2017 قام الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" بزيارة إلى السعودية، من أجل صفقة تهم سلاح أمريكي، مضمون التعاقد هو عن عشرات الطائرات المقاتلة من نوع إف 16 و إف 15 بقيمة 460 مليار دولار، طبعا مع الذخائر و المعدات و التجهيزات و التي تمت إضافة قيمتها للصفقة، لقد كان ظاهر الصفقة أن أمريكا الرئيس ترامب كان يحاول تتبيث ولي العهد السعودي الحالي في الحكم أمام تهديد قبيلة آل سعود، التي كانت ترفض تولي " محمد بن سلمان" زمام الحكم في السعودية.

لكن اتضح لاحقا أن الأمر كله مجرد إعداد بالتمويل و التسليح للحرب و تحديدا "عاصفة الحزم" السعودية، وان موضوع الصفقة الحقيقي هو ذبح اليمن، من خلال الإعداد للحرب التي خاضتها أمريكا من وراء الستار، بينما كانت السعودية واجهة لقيادة الحرب و من تحتها جوقة الرشوة، و الزور، و الإكراميات المتمثلة في التحالف الدولي، للتغطية على جرائم، و فضائح، و فضائع الحرب، و إكتساب بعض الشرعية من خلال المصفقين من عناصر التحالف الدولي، الذي خاض "عاصفة الحزم" فقط بغرض تخريب اليمن، و قتلت زهاء مليون إنسان. 

لكن هنا يجب الإشارة أن عاصفة الحزم كانت كلفة التسليح، و الذخيرة التي إستهلكت فيها، كانت حوالي 200 مليار دولار و أكثر، و لم تكن الحرب غاية في حد ذاتها، لكن كانت محاولة لمنع الثورة اليمنية من النجاح في السيطرة على النظام، و الدولة، و الحكم، و تنصيب نظام "هادي عبد ربه" الموالي للسعودية، و التحالف الدولي، و من وراءها بدورها امريكا، و المجمعات الصناعية الأمريكية، و مراكز البحث بغرض تدبير الحروب، و الصراعات، و المخاطر، و الدراسات، الاقتصادية، و المالية، و التجارية، و بالتالي مراكز البحث هذه تشكل غرف عمليات دائمة الاشتغال، بغرض البحث عن شعوب ناجحة اقتصاديا، و ضعيفة استخباريا، و عسكريا، ليقوم بابتزازها عن طريق إثارة الفتن، و خلخلة الأمن حولها، و في ترابها الداخلي، و تحريك الصراعات، و العداوات في محيط هذه الدول المختارة بعناية نتيجة دراسات مستفيضة، لتقدم أمريكا نفسها حامي، ومصدر استقرار، و تسليح، و قادرة على تأمين هذه الدول، مقابل النفوذ الاقتصادي، و الهيمنة السياسية، و احتكار صفقات التسلح، و احتواء هذه الأنظمة، حتى تصل في النهاية إلى سيطرة شبه مطلقة، و مباشرة، و مثل هذا المنطق نجده حتى في أوكرانيا عندما اشترط "ترامب" على أوكرانيا تقديم المعادن النادرة، و النفيسة من جغرافيا أوكرانيا حتى تواصل أمريكا دعمها العسكري في الحرب مقابل روسيا.

_ دعم أوكرانيا مقابل ماذا؟:

تعتمد السياسة الخارجية و الدبلوماسية الأمريكية على خطاب سياسي ديماغوجي قائم على الترويج لقيم من قبيل الديمقراطية و الحرية و التحرر و حقوق الإنسان...

إن توالي الأحداث الكبرى و الحروب الأمريكية و طريقة خوضها أظهر من الوحشية و الهجمية من خلال بشاعة القتل و شدة الفتك التي تتغنى بها أمريكا في ترويجها و تسويقها لتجارة الأسلحة و لاأدل على الأمر أكثر من المذابح و الإبادة الجماعية في غزة. و هنا يظهر بجلاء انتهازية منطق السياسة الخارجية الأمريكية، و هو ما طرحته أمريكا على الرئيس الأوكراني "فلاديمير زيلنسكي"، من خلال دفع ثمن الدعم و المساعدة الأمريكية لأوكرانيا مقابل المعادن النادرة و النفيسة أو تقديم مبلغ مالي يقدر بحوالي 500 مليار دولار، أو ترك أوكرانيا لتواصل مصيرها أمام روسيا، مع ان الحروب في أوكرانيا كانت قرار أمريكي و من وراءها حلف الناتو فب محاولة لإسقاط روسيا عسكريا و اقتصاديا  لأنها اختارت سياسة سيادية عبر قرارات وطنية تراعي مصالح روسيا أولا كوطن و أمة، لكن روسيا أسقطت هذه المخططات من خلال تحالفات حقيقية مبنية على الإيمان الحقيقي بالقيم و الفلسفة و المنطق و الوعي، و التي انتصرت بالفعل التماسك و الثم د الذي انتصر على المصالح المادية و الإنتهازية و الاستغلال الذي ظهر مباشرة و دول موازية حين كان يقول ترامب للخليج "إدفع" أو عندما طلب مقابل مادي من أجل تقييم الدعم و المساندة لأوكرانيا مع العلم أن هناك اتفاق قانوني يوثق وجود تحالف عسكري يفرض الدعم المتبادل بين أوكرانيا و أمريكا، مع وعود مطمئنة لأوكرانيا و رئيسها بالانضمام لحلف الناتو كعضو رسمي 

   لكن الهزيمة أمام روسيا و قيم و مبادئ التحالف الروسي في أوكرانيا رغم الدعم الغربي الأوروبي و الأمريكي و من ورائهم حلف الناتو.

إن الانتقال الصريح في امريكا، من دعم مبدئي لأوكرانيا، الى دعم مشروط مقابل المعادن النفيسة و النادرة التي تحتويها جغرافيا اوكرانيا او ما تبقى منها.

*_ زيارة الأربعة تريليون دولار:

وفي ماي من سنة 2025 زار مرة أخرى الرئيس الأمريكي المملكة العربية السعودية، و هذه الزيارة تقريبا كانت مكشوفة الأهداف لأن أمريكا التي تعاني من تدهور المستوى التقني و التكنولوجي على مستوى صناعة الأسلحة في مقابل كل من الصين، و روسيا، و كذلك إيران، وهي دول ذات سياسات مناوئة لأمريكا، لذلك أمريكا تستشعر خطورة عدم مواكبة التطور التقني المتسارع، و تحاول أن تعقد صفقة مكونة من عدة صفقات بداخلها، و جلها يتعلق بالتسليح و بيع أسلحة لدول الخليج، لكن عمق ما خفي أن دول الخليج المحمية من طرف أمريكا، كانت تحاول تمويل مموه على شكل صفقات سلاح من اجل تطوير المستوى التكنولوجي للأسلحة الأمريكية، عن طريق دعم غير مباشر للمختبرات و شركات صناعة الأسلحة الأمريكية قيمته أربعة تريليون دولار، و هي قيمة الصفقات، و العقود التي أبرم "ترامب" العقود الخاصة بها، في الزيارة الأخيرة له للسعودية، من هذه السنة الجارية، وطبعا يبدأ التطور الأمريكي من تمويل و دعم المخابرات للتجسس على الدول المناوئة لكشف أسرارها التكنولوجية، و منافستها.

*فتنة السنة و الشيعة:

منذ سنة 2011 شكل الربيع العربي تهديد وجودي للمصالح الأمريكية، في غرب آسيا، و الشرق الأوسط، فتغيير الأنظمة المالية لأمريكا، و سياستها الإنتهازية، بحيث شكل تهديد خسارة مصالح حيوية، و استراتيجية، تقدر بعشرات التريليونات، مجسدة في أكبر مخزون من الوقود الأحفوري مثل النفط، و الغاز،  إلى جانب الأسواق، التجارية، و أسواق السلاح....

مع وجود مثل هذا التهديد عملت أمريكا على إنشاء تحالف فيما بين الدول و الحكومات الخاضعة للهيمنة الأمريكية، فيما سمي "بالناتو العربي" لمواجهة حركة الشعوب في منطقة الشرق الأوسط التي تريد تحديد مصيرها، و الخروج من الهيمنة الأمريكية، التي تحصد الاخضر، و اليابس لدرجة أنها لا تبقي لهذه الشعوب حتى الحدود الدينا من مقومات حياة آدمية، و كريمة، بسبب طول أمد و عمق سياسات التخريب، و الهدم، و الدمار الصامت، و الخفي الذي تعيشه شعوب عدة من مناطق العالم نتيجة سياسات الهيمنة، و الاستغلال، و الابتزاز، و النهب، و السلب، مثل العراق الذي ادعت أمريكا كذبا، بأن جيشها سيغزوا العراق، من اجل تحييد خطر وشيك لأسلحة الدمار الشامل على الامن، و السلم العالميين، اتضح لاحقا أن هدف الغزو الحقيقي، الذي غزت بسببه أمريكا، العراق عمليا هو مئات الأطنان من الذهب، استولت عليها أمريكا، فضلا عن سرقة النقط العراقي، إلى درجة أن أمريكا لم يعد لديها مكان طبيعي، أو خزانات صناعية لتخزين النفط العراقي المسروق، و كذلك الغاز من شرق الفرات السوري.

هنا و مع بعض التدقيق، يتضح دور مراكز البحث الأمريكية، التابعة للمجمعات الصناعية العسكرية، و التي اشتغلت على أزمة الربيع العربي، و على تهديد، و خطر داهم، اعتمدت في مواجهته على سياسة خبيثة، بنيت على تقسيم الشعوب المنخرطة في الربيع العربي، و إحداث الفتنة، و الحرب الاهلية بينها باستعمال الفتنة الطائفية، و الدينية بين عناصر و شعوب الربيع العربي، لعل السبب هو اجهاض اي محاولة لتشكيل قيادة إقليمية للثورات في المنطقة العربية او سمي اعلاميا، و سياسيا بالربيع العربي،و بعدم وجود قيادة لحركة هذا الربيع، هذه الشعوب تم منعها من النهوض، و للبقاء تحت الهيمنة الأمريكية، و الاستغلال المنهجي عبر مراكز البحث للسيطرة على الحكومات، و الشعوب، و المقدرات، و السياسات، و المقدرات، و القرارات... 

شكل تطور التاريخ الإسلامي من خلال الانقسام الى عدة طوائف، و مجتمعات صغيرة، معيار الانتهاء إليها ايديولوجي، و عقدي، و ديني، لكنه اقصائي يلغي الغير،  بحيث تمت تسميتها بالمذهب، او المذاهب الإسلامية، و هي عبارة عن طرق، و مناهج تضم قواعد دينية، حدث بينها بعض التباينات، و الاختلافات الفرعية، و الثانوية، نتيجة أن هذه المذاهب هي طرق، و مناهج لكيفية تطبيق، و قراءة، و تفسير القواعد التشريعية، و الفقهية، و تأويل النصوص الدينية عبر اتباع علماء مختلفي القراءات، و في مرجعياتهم العلمية، و الفكرية، و مصادرهم...، و تأويلهم لنفس النصوص، بناء على هذه المعطيات، حتما يعطي تباينات في بعض التفاصيل، التي يلعب عليها علماء ى دعاة الضلال الافساد من تجار الدين عبر الفتاوي التي تكفر و تقصي الاخر بالشكل الذي يسعل الصراع و الحرب الدينية الاهلية، و عملت مراكز البحث العلمي الأمريكية، على تغذية الاختلافات، و التناقضات، و التباينات الثانوية، و السطحية من اجل تضخيمها اعلاميا، و على مستوى قرارات بعض المسؤولين الكبار و الزعماء و الشعوب العملاء، تم تصوير هذه الاختلافات البسيطة على أنها جوهرية، و البناء عليها بغرض خلق، و تغذية عداوة، بل و تأجيجها من خلال وضعها في نقطة أولوية، و حيوية عن طريق تضخيم هذه الاختلافات، و تقديمها على أنها صراع، أو حرب طاحنة، بين المذاهب عبر الصياغة اللغوية الإعلامية، و عبر حرب الصورة التي يتم تحريف مضمونها، و معناها الحقيقي من خلال التعليق و التأويل و البتر و الإجتزاء،  إلى ما يؤجج الصراع، و يشعل الحرب بين الطوائف، و المذاهب، و حرفها إلى حرب أهلية دينية مقدسة، يطحن فيها المسلمين بعضهم ليصبحوا أضعف من إسرائيل في المنطقة، و لتبقى الأقوى في المنطقة، و لتقوم بدور حارس للمصالح الأمريكية و الغربية بالمنطقة. بمنع، و إجهاض نهضة الشعوب  الإسلامية، على إختلاف مناصبها، هنا يجب الإشارة إلى أن السلاح الذي استعملته أمريكا في هذه الفتنة هي الكلمات، و الصور لصناعة، و صياغة، و توجيه الوعي عند الرأي العام، و الأفراد في العالم الإسلامي، مما يبرز أن حقيقة الصراع مع أمريكا في جوهره هو حرب وعي، إذ مجرد كلمات هدمت أمة كاملة، ما يعكس أن عناصر هذه الأمة الأمية، و الجاهلة تم تدجينها حتى تصبح عقول ضعيفة، يتم التلاعب بها و توجيهها فقط ببضع كلمات.

* الآليات حسب الخطة الأمريكية:

عندما يصبح التلاعب بالكلمات تجارة مربحة، ينتج معها هيمنة و نفوذ، يتحدد معه مصير امم و شعوب و المقدرات، يصبح عمل هذه المراكز البحثية احترافي، و بالنظر الى حجم المردودية لا تتردد امريكا في خوض الحروب، او اسقاط الانظمة المناوئة لسياساتها او تطبيق حصار خانق على الامم و الشعوب،  او قتل الشعوب، و عبر السيطرة على وسائل الاعلام، يمر هذا الاجرام، مغطى، و مموه، و مستساغ.

- الفروع و التحالفات:

بحكم ان اسرائيل بنت قوتها على قوة و فاعلية اجهزة المخابرات المختلفة التخصصات و الفروع و الانشطة، هذا المعطى مكن اسرائيل من علاقات دولية جيدة جدا، الى درجة ان امريكا تعتبر اسرائيل الحليف الاستراتيجي الاول في العالم، و هذا كا يفسر الانخراط القوي جدا لامريكا للدفاع عن هذا الكيان الذي قام على الاحتلال، و على اعتبار البيئة المحيطة معادية بالكامل، ما جعل امريكا تسمح للخرافات الدينية و الايديولوجية و الاشاعات تنبت و تتكاثر الى الحد الذي اصبحت فيه معاداة السامية جريمة قانونية تلوح اسرائيل بعقوبات تطال كل من يخالف هوى سياساتها و نهجها، بهذا الوضع اصبحت اسرائيل بقرة مقدسة لا يجوز المساس بها، و طبعا من اجل ان تضمن بقائها في خذا الوسط الجغرافي، و البيئة السياسية و الايديولوجية المعادية، كان لا بد من العمل على تطوير و تقوية جهاز المخابرات، و جعلها قادرة على اختراق هذه البيئات او البلدان المحيطة بإسرائيل و تطوقها.

إن تمكن اسرائيل عن طريق مناهج و طرق الاستقطاب الماسوني جعلت من مجموعة من الشخصيات المؤثرة في هذه البلدان تستجيب بشكل مدمر للمجتمعات التي تنتمي اليها، الى حد الإضرار المتعمد لهذه المجتمعات، رهن القرار من الداخل في البلدان المستهدفة من السياسة الصهيونية، جعل من القدرة على تحرك و تغلغل "الموساد" او جهاز المخابرات بكل فروعه مثلا "شين بيت" "امان".... تجد المتنفس الذي يمكنها من تجميع المعلومات و المعطيات من مصادرها الاصلية بدون عناء، و هذا المكتسب دفع دول مثل امريكا تدعم بكل الوسائل اسرائيل حتى في لحظات تكريس الاحتلال او التوسع و حتى في الابادة الجماعية.

تستفيد امريكا بالمقابل من سيل المعلومات و المعطيات الإستخبارية، من اجل بسط مزيد من النفوذ و الهيمنة و السيطرة على مقدرات و موارد هذه البلدان الضعيفة و المضعفة و المستنزفة في الحروب.

المنشور السابق

مشاركات مشابهة